فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)} أي أَمَرَنا بملازمة محل المناجاة لأن اللسان إِنْ تعوَّد نجوى السلطان متى ينطق (بمكالمه) الأخَسِّ؟! اهـ.

.تفسير الآية رقم (73):

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانوا بعبادة غيره تعالى- مع إقرارهم بأنه هو خالق السماوات والأرض- في حال من يعتقد أن ذلك الذي يعبدونه من دونه هو الذي خلقهما، أو شاركًا فيهما.
فلا قدرة لغيره على حشر من في مملكته، قال تعالى منبهًا لهم من غفلتهم وموقظًا من رقدتهم معيدًا الدليل الذي ذكره أول السورة على وجه آخر: {وهو} أي وحده {الذي خلق} أي أوجد واخترع وقدر {السماوات والأرض} أي على عظمهما وفوت ما فيهما من الحكم والمنافع الحصر {بالحق} أي بسبب إقامة الحق، وأنتم ترون أنه غير قائم في هذه الدار ولا هو قريب من القيام، فوجب على كل من يعلم أن الله حكيم خبير أن يعتقد أنه لابد من بعثة العباد بعد موتهم- كما وعد بذلك- ليظهر العدل بينهم، فيبطل كل باطل ويحق كل حق، ويظهر الحكم لجميع الخلق.
ولما قرر أن إقامة الحق هي المراد، قرر قدرته عليها بقوله: {ويوم يقول} أي للخلق ولكل شيء يريده في هذه الدار وتلك الدار {كن فيكون} أي فهو يكون لا يتخلف أصلًا.
ولما قرر أنه لا يتخلف شيء عن أمره، علله فقال: {قوله الحق} أي لا قول غيره، لأن أكثر قول غيره باطل، لأنه يقول شيئًا فلا يكون ما أراد؛ ولما كان في مقام الترهيب من سطوته، قال مكررًا لقوله: {وهو الذي إليه تحشرون}: {وله} أي وحده بحسب الظاهر والباطن {الملك يوم} ولما كان المقصود تعظيم النفخة، بني للمفعول قوله: {ينفخ في الصور} لانقطاع العلائق بين الخلائق، لا كما ترون في هذه الدار من تواصل الأسباب، وقولُه: {عالم الغيب} وهو ما غاب عن كل ما سواه سبحانه: {والشهادة} وهو ما صار بحيث يطلع عليه الخلق- مع كونه علة لما قبله من تمام القدرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في طه من تمام الترهيب، أي أنه لا يخفى عليه شيء من أحوالكم، فاحذروا جزاءه يوم تنقطع الأسباب، ويذهب التعاضد والتعاون، وهو على عادته سبحانه في أنه ما ذكر أحوال البعث إلاّ قرر فيه أصلين: القدرة على جميع الممكنات، والعلم بجميع المعلومات الكليات والجزئيات، لأنه لا يقدر على البعث إلا من جمع الوصفين {وهو} أي وحده {الحكيم} أي التام الحكمة، فلا يضع شيئًا في غير محله ولا على غير أحكام، فلا معقب لأمره، فلابد من البعث {الخبير} بجميع الموارد والمصادر، فلا خفاء لشيء من أفعال أحد من الخلق عليه في ظاهر ولا باطن ليهملهم عن الحساب. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبدة الأصنام، ذكر هاهنا ما يدل على أنه لا معبود إلا الله وحده وهو هذه الآية، وذكر فيها أنواعًا كثيرة من الدلائل.
أولها: قوله: {وَهُوَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بالحق} أما كونه خالقًا للسموات والأرض، فقد شرحنا في قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض} وأما أنه تعالى خلقهما بالحق فهو نظير لقوله تعالى في سورة آل عمران {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} [الأنبياء: 16] {مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} [الدخان: 39] وفيه قولان.
القول الأول: وهو قول أهل السنة أنه تعالى مالك لجميع المحدثات مالك لكل الكائنات وتصرف للمالك في ملكه حسن وصواب على الإطلاق، فكان ذلك التصرف حسنًا على الإطلاق وحقًا على الإطلاق.
والقول الثاني: وهو قول المعتزلة أن معنى كونه حقًا أنه واقع على وفق مصالح المكلفين مطابق لمنافعهم.
قال القاضي: ويدخل في هذه الآية أنه خلق المكلف أولًا حتى يمكنه الانتفاع بخلق السموات والأرض، ولحكماء الإسلام في هذا الباب طريقة أخرى، وهي أنه يقال: أودع في هذه الأجرام العظيمة قوى وخواص يصدر بسببها عنها آثار وحركات مطابقة لمصالح هذا العالم ومنافعه.
وثانيها: قوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} في تأويل هذه الآية قولان.
الأول: التقدير وهو الذي خلق السموات والأرض وخلق يوم يقول كن فيكون، والمراد من هذا اليوم يوم القيامة، والمعنى أنه تعالى هو الخالق للدنيا ولكل ما فيها من الأفلاك والطبائع والعناصر والخالق ليوم القيامة والبعث ولرد الأرواح إلى الأجساد على سبيل كن فيكون.
والوجه الثاني: في التأويل أن نقول قوله: {الحق} مبتدأ و{يَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} ظرف دال على الخبر، والتقدير: قوله: {الحق} واقع {يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} كقولك يوم الجمعة القتال، ومعناه القتال واقع يوم الجمعة.
والمراد من كون قوله حقًا في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يقضي إلا بالحق والصدق، لأن أقضيته منزهة عن الجور والعبث.
وثالثها: قوله: {وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} فقوله: {وَلَهُ الملك} يفيد الحصر، والمعنى: أنه لا ملك في يوم ينفخ في الصور إلا الحق سبحانه وتعالى، فالمراد بالكلام الثاني تقريرًا لحكم الحق المبرأ عن العبث والباطل، والمراد بهذا الكلام تقرير القدرة التامة الكاملة التي لا دافع لها ولا معارض.
فإن قال قائل: قول الله حق في كل وقت، وقدرته كاملة في كل وقت، فما الفائدة في تخصيص هذا اليوم بهذين الوصفين؟
قلنا: لأن هذا اليوم هو اليوم الذي لا يظهر فيه من أحد نفع ولا ضر، فكان الأمر كما قال سبحانه: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فلهذا السبب حسن هذا التخصيص، ورابعها: قوله: {عالم الغيب والشهادة} تقديره، وهو عالم الغيب والشهادة.
واعلم أنا ذكرنا في هذا الكتاب الكامل أنه سبحانه ما ذكر أحوال البعث في القيامة إلا وقرر فيه أصلين: أحدهما: كونه قادرًا على كل الممكنات، والثاني: كونه عالمًا بكل المعلومات لأن بتقدير أن لا يكون قادرًا على كل الممكنات لم يقدر على البعث والحشر ورد الأرواح إلى الأجساد وبتقدير أن لا يكون عالمًا بجميع الجزئيات لم يصح ذلك أيضًا منه لأنه ربما اشتبه عليه المطيع بالعاصي.
والمؤمن بالكافر، والصديق بالزنديق، فلا يحصل المقصود الأصلي من البعث والقيامة.
أما إذا ثبت بالدليل حصول هاتين الصفتين كمل الغرض والمقصود، فقوله: {وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} يدل على كمال القدرة، وقوله: {عالم الغيب والشهادة} يدل على كمال العلم فلا جرم لزم من مجموعهما أن يكون قوله حقًا، وأن يكون حكمه صدقًا، وأن تكون قضاياه مبرأة عن الجور والعبث والباطل.
ثم قال: {وَهُوَ الحكيم الخبير} والمراد من كونه حكيمًا أن يكون مصيبًا في أفعاله، ومن كونه خبيرًا، كونه عالمًا بحقائقها من غير اشتباه ومن غير التباس. والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قد ذكرنا في كثير من هذا الكتاب أنه ليس المراد بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} خطابًا وأمرًا لأن ذلك الأمر إن كان للمعدوم فهو محال، وإن كان للموجود فهو أمر بأن يصير الموجود موجودًا وهو محال، بل المراد منه التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات وإيجاد الموجودات. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} ولا شبهة أن المراد منه يوم الحشر، ولاشبهة عند أهل الإسلام أن الله سبحانه خلق قرنًا ينفخ فيه ملك من الملائكة وذلك القرن يسمى بالصور على ما ذكر الله تعالى هذا المعنى في مواضع من الكتاب الكريم ولكنهم اختلفوا في المراد بالصور في هذه الآية على قولين:
القول الأول: أن المراد منه ذلك القرن الذي ينفخ فيه وصفته مذكورة في سائر السور.
والقول الثاني: إن الصور جمع صورة والنفخ في الصور عبارة عن النفخ في صور الموتى، وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة مثل صوف وصوفة.
قال الواحدي رحمه الله: أخبرني أبو الفضل العروضي عن الأزهري عن المنذري عن أبي الهيثم: أنه قال ادعى قوم أن الصور جمع الصورة كما أن الصوف جمع الصوفة والثوم جمع الثومة، وروي ذلك عن أبي عبيدة قال أبو الهيثم، وهذا خطأ فاحش لأن الله تعالى قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64] وقال: {وَنُفِخَ في الصور} [ياس: 51، الزمر: 68] فمن قرأ ونفخ في الصور، وقرأ {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} فقد افترى الكذب، وبدل كتاب الله، وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغرائب، ولم يكن له معرفة بالنحو، قال الفراء: كل جمع على لفظ الواحد المذكر سبق جمعه واحده، فواحده بزيادة هاء فيه، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر والقطن والعشب فكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه، وإذا أفردت واحدته زيدت فيها هاء لأن جمع هذا الباب سبق واحده، ولو أن الصوفة كانت سابقة للصوف لقالوا صوفة وصوف وبسرة وبسر كما قالوا غرفة وغرف، وزلفة وزلف، وأما الصور القرن فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدته صورة وإنما تجمع صورة الإنسان صورًا لأن واحدته سبقت جمعه، قال الأزهري: قد أحسن أبو الهيثم في هذا الكلام، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه، وأقول: ومما يقوي هذا الوجه أنه لو كان المراد نفخ الروح في تلك الصور لأضاف تعالى ذلك النفخ إلى نفسه لأن نفخ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه، كما قال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} [الحجر: 29] وقال: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} وقال: {ثُمَّ أنشأناه خلقًا آخر} وأما نفح الصور بمعنى النفخ في القرن، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كما قال: {فَإِذَا نُقِرَ في الناقور} [المدثر: 8] وقال: {وَنُفِخَ في الصور فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68] فهذا تمام القول في هذا البحث، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَهُوَ الذي خَلَق السموات والأرض بالحق} يعني: للحق والعبرة {وَيَوْمَ يَقُولُ} اليوم صار نصبًا، لأن معناه: واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا.
ويقال: معناه واذكروا يوم يقول: {كُنْ فَيَكُونُ} يعني: يوم البعث يقول: انتشروا فانتشروا كلهم كقوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} يعني: القبور {خُشَّعًا أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7].
ثم قال: {قَوْلُهُ الحق} {قَوْلُهُ} رفع بالابتداء، وخبره {الحق} يعني: قوله الصدق أنه كائن.
قرأ ابن عامر {فَيَكُونُ} بالنصب على معنى الخير، وكذا في كل القرآن، إلا في موضعين: هاهنا، وفي آل عمران.
وقرأ الباقون: بالرفع على معنى الخبر.
{وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} يوم صار نصبًا لنزع الخافض.
ومعناه: وله الملك في يوم ينفخ في الصور وهذا كقوله عز وجل: {يَوْمَ هُم بارزون لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شيء لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] وكقوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] ويقال: هذا مبين لقوله الأول، ومعناه: يوم يقول له {كُنْ فَيَكُونُ}.
{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور} وروي عن أبي عبيدة أنه قال: معناه: يوم يَنْفُخ الأرواح في الصور.
يعني: في الأجسام.
وهذا خلاف أقاويل جميع المفسرين لأنهم كلهم قالوا: هو نفخ إسرافيل في الصور.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ» وفي خبر آخر: «وَصَاحِبُ الصُّوَرِ قَدِ الْتَقَمَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخَ فِيهِ».
ثم قال: {عالم الغيب والشهادة} الغيب ما غاب عن العباد والشهادة ما علم العباد به، ويقال السر والعلانية.
ويقال: {عالم} بما يكون وبما قد كان.
ويقال: {عالم} بأمر الآخرة وبأمر الدنيا {وَهُوَ الحكيم الخبير} يعني: {الحكيم} في أمره {الخبير} بأفعال الخلق وبأمر البعث. اهـ.